کد مطلب:142634
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:265
للامام تقی الدین أبی العباس أحمدبن عبدالحلیم ابن تیمیة الحرانی الدمشقی
ولد الامام العلامة ابن تیمیة [1] سنة 661 ه فی أیام الملك الظاهر بیبرس و الذی كان حاكما علی مصر و الشام آنذاك، و قد كان من أقوی الملوك المسلمین بعد صلاح الدین الأیوبی.
و قد ولد ابن تیمیة بعد تدمیر بغداد بخمس سنوات، و دخل التتار حلب و دمشق قبل مولده بثلاث سنوات فلما شب و كبر و حكی له معاصر و هذه الحملات الضاریة و الوحشیة من التتار، حتی أن مسقط رأسه (حران) لم تسلم من أذی هؤلاء القوم المجرمین الذین لم یراعوا الله و لا الانسانیة فی هذه البلاد الآمنة. و سمع ابن تیمیة و رأی و هو صبی أنهار الدماء المسفوك المسفوح تجری حوله من كل مكان و هو ابن سبع سنین تقریبا فی بلدته حران التی نشأت فیها أسرته و بیته.
و فی هذه الجو المشحون بالكمد و الاحن نهض لفیف من العلماء و الأئمة الكبار و الفقهاء أمثال ابن الصلاح و النووی و العز بن عبدالسلام و المزی و الذهبی، كما نبغ فی عصر ابن تیمیة أیضا قاضی القضاة كمال الدین
الزملكانی، و القزوینی و السبكی و ابن حیان التوحیدی. و رغم وجود هؤلاء العلماء الأفذاذ الا أن العلماء كان مقسما بالبساطة و السطحیة و قلة التعمق فی المسائل الفقهیة و الشرعیة.
و اتسم الفقه آنئذ بالجمود و التحجر و لیس ثمة أضر علی الاسلام و المسلمین من تحجر الفكر و جمود القرائح و هذا ما حدث ابان الحروب التتریة و الصلیبیة فی عصر ابن تیمیة.
و اذا احتدمت الحروب لجأ الناس الی الدین، و ما أضر الناس و لا أضر المسلمین مثل القضایا الجدلیة و المسائل الكلامیة و الفلسفة السفسطائیة التی تظهر فصاحة و بیانا و تضمر جهلا مشینا بحقائق الدین و فطرته الجمیلة.
و قد كانت أسرة العلامة الفقیه الحافظ ابن تیمیة أسرة علم و فضل علی مذهب الامام أحمد بن حنبل بل كانت زعیمة للمذهب الحنبلی فی تلك الدیار اذ كان جده اماما للمذهب الحنبلی فی عصره.
قال الذهبی: - «قال لی شیخ الاسلام ابن تیمیة بنفسه أن الشیخ ابن مالك كان یقول: لقد ألان الله الفقه لممجد الدین بن تیمیة كما ألان الحدید لداود علیه السلام» ا. ه.
و قد درس ابن تیمیة العلوم المعروفة فی عصره و عنی عنایة خاصة باللغة العربیة و النحو و الصرف كما اهتم بدارسة الحساب و الریاضة و الحظ و أبدی اهتماما خاصا بالفقه و علم الأصول و الحدیث و التفسیر و علم الفرائض، و لعل علم التفسیر كان من أحب العلوم و آثرها عند ابن تیمیة حتی قیل انه كان یقرأ فی الآیة الواحدة نحو مائة تفسیر، تأمل قوله فی ذلك: -
«ربما طالعت علی الآیة الواحدة نحو مائة تفسیر، ثم أسأل الله الفهم و أقول یا معلم آدم و ابراهیم علمنی، و كنت أذهب الی المساجد المهجورة و نحوها، و أمرغ وجهی فی التراب و أسأل الله و أقول: یا معلم ابراهیم فهمنی» ا. ه.
و قد كان ابن تیمیة رحمه الله متوقد الذكاء كثیر الزكانة و الفطنة سریع الفهم و الاستیعاب فقد كان یفتی فی أمور الدین و هو ابن الثانیة و العشرین من عمره.
و مصنفات ابن تیمیة و مؤلفاته تدل علی سعة اطلاعه و عمق ثقافته و قوة شخصیة فهو عندما یعرض لمسألة من المسائل أو قضیة من القضایا یحشد لك كل البراهین و الأدلة العقلیة و العلمیة لیقوی بها حجته و یؤكد بها رأیه و هو لا ینفك یستشهد بآیات القرآن الكریم فی كل ما یتعرض له من أدلة و اثباتات فقهیة أو شرعیة و هو بذلك لا یترك القاری ء حتی یقنعه تماما بوجهة نظره و صلابة رأیه.
و لا یخفی علی أحد أن تیمیة حمل لواء بعث الفكر الاسلامی و تجدید العلوم الشرعیة و رفع لواء التوحید و محاربة البدع و الأهواء و الردود العنیفة القویة علی الفرق الهالكة التی كادت للاسلام و نقده العنیف المر للفلسفة و المیتافیزیقا و علم الكلام و ترجیح منهج الكتاب و السنة و أسلوبهما علی كل أسلوب و منهج.
لقد كان ابن تیمیة حربا حامیة الوطیس لم یخمد لظاها و ما أخبی سعیرها علی رعونة المبتدعین فی عصره انما كان سیفا مصلتا علی رقاب الخارجین و المارقین المرجفین.
و قد أورد الحافظ ابن كثیر فی كتابه التاریخی المشهور (البدایة و النهایة) كثیرا من مناظرات ابن تیمیة مع فقهاء عصره.
و قد كانت ثمة صراعات شتی بین ابن تیمیة و تلمیذه ابن القیم الجوزیة من ناحیة و بین الصوفیة من ناحیة أخری و قد شدد علی أقطابهم و لاسیما الذین قالوا بالحلول و بالوحدة أمثال محیی الدین بن عربی و الحلاج و رماهم بالزندفة و الكفر و الالحاد.
و لقاء اخلاصه فی دعوته كابد ابن تیمیة رحمه الله و عانی من البطش و التعذیب فقد كاد له خصومه و أعداؤه و دخل السجن مرات عدیدة، و قد توفی و هو فی السجن رحمه الله و جزاه عن الاسلام خیرا و ألحقنا به فی دار كرامته. آمین.
السید الجمیلی.
[1] راجع ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية في فوات الوفيات (45 - 35: 1) و الدرر الكامنة (144: 1) و البداية و النهاية (135: 14) و ابن الوردي (284: 2) و آداب اللغة (243: 3) و النجوم الزاهرة (271: 9) و تهذيب ابن عساكر (28: 2) و دائرة المعارف الاسلامية (109: 1).